الأوضاع الحضارية في إقليم الجزيرة الفراتية (في القرنين السادس والسابع للهجرة/الثاني عشر والثالث عشر)

الحارثي، عبدالله بن ناصر بن سليمان.

يلاحظ المشتغلون بالتاريخ الإسلامي أن أصحاب الموسوعات التاريخية الذين عالجوا تاريخ الدولتين الأموية والعباسية بالتفصيل ، لم يعطوا العلاقات بين هاتين الدولتين من ناحية وعمان من ناحية أخرى حقها من العناية والإهتمام . أما الذين دونوا التاريخ العماني ومعظمهم من العمانيين أنفسهم ، فكان المفروض أن يتبعوا منهجا أكثر توسعا وتفصيلا في علاجهم لتاريخ عمان ، لكن يبدو أن هدفهم الأساسي لم يكن تدوين أحداث التاريخ ، بقدر ما كان رغبتهم في تدوين سير العلماء والأئمة الذين تمت مبايعتهم في عمان ، ومن خلال ذلك تطرقوا إلى ذكر تواريخ مبايعة الأئمة ووفياتهم ، ووفيات العلماء . أما الأحداث الهامة التي جرت في عهدهم والمشاكل التي واجهتهم وسبل حلها ، فقد جاء ذكرها في سياق كلامهم . ولذا عنوا في كتابتهم للتاريخ بالمنازعات والخلافات والمصادمات أكثر من سواها . ولما كانت غالبية هؤلاء الكتاب من العلماء الفقهاء الموالين للأئمة ، فإنهم لم يعنوا بسير من تولي حكم عمان من غير أولئك الأئمة ، حيث اعتبروهم جبابرة وطغاة لا تستحق عصورهم التدوين والتسجيل ، وتنطبق هذه الصفات على بني نبهان ، لأنهم كانوا ملوكا وليسوا أئمة ، ولذا وصفوهم بالطغاة والجبابرة ، حتى وإن كانوا اباضية على نفس المذهب ، مما ترتب عليه إهمال تاريخهم وعدم تسجيله .ولا أدل على هذا التجاهل لتاريخ بني نبهان ما ذكره الأزكوي : " فهذه مايتا سنة وبضع ، لم أجد فيهن تاريخا لأحد من الأئمة ، فالله أعلم أنها كانت سنين فترة عقد الإمامة ، أو غاب معرفة أسمائهم عنا "وأصناف " فلعلها كانت هذه السنون التي بين محمد بن خنبش و مالك بن الحواري . سنين ملك النباهنة ، ولعل ملكهم كان يزيد على خمسمائة سنة إلا أنه كان فيما بعد هذه السنين يعقدون للأئمة . والنباهنة ملوك في شيء من البلدان ، والأئمة في بلدان أخرى والله أعلم " . وهكذا فإن هذه الفترة التي خلت من وجود إمام في عمان ، لم تجد لها مكانا في ذاكرة التاريخ العماني ،باستثناء بعض الأحداث الهامة الخطيرة التي تخللتها ، والتي فرضت نفسها على أولئك الكتاب كالكوارث الطبيعية المدمرة والحروب الأهلية التي أهلكت الحرث والنسل ، أو الغزوات الخارجية التي تعرضت لها البلاد بين حين وآخر . ومن هذه الإشارات المتباعدة غير المترابطة التي نصادفها عن عهد بني نبهان ، إستطعنا أن نلقي الضوء على ذلك العهد . وعندما اهتم سلاطين آل بوسعيد ـ وبصفة خاصة السلطان سعيد بن سلطان في أواخر القرن الثالث عشر للهجرة ، التاسع عشر للميلاد ـ بتدوين التاريخ العماني ، اصطدم المؤرخون العمانيون بندرة المعلومات المتوفرة لديهم عن بني نبهان ، وكما أشار الأزكوي من قبل . علل ذلك ابن رزيق بقوله : " ومن الصعوبة ذكر ملوكهم بالتفصيل ، وذلك لكثرتهم ، فكل واحد منهم هو هو في الشان والسلطان " . وإذا كان هذا هو شأن ابن رزيق ، فما بالنا بالذين أخذوا ونقلوا عنه . وإن ما نقله فاروق عمر عن ولكنسون أنه لا بد وقد ظهر بين النبهانية أنفسهم من أرخ لهم ، ونجد صدى ذلك في بعض روايات السالمي عن تلك الفترة " . وحقيقة الأمر أن بني نبهان اباضية ، وليس كما ذكر ولكنسون وفاروق عمر ومن حذا حذوهما . كذلك عبر عن ندرة تلك المعلومات بعض الدارسين الأثريين إذ قالوا : " وأخبار دولة النبهانيين قليلة ، وقد اتسمت فترتهم بأنها فترة انعزال .. ما يزال فيها جوانب كثيرة تحتاج إلى مزيد من الجلاء والإيضاح " . ولكي نكون منصفين في حكمنا لا بد وأن نشيد بالمعلومات التي أوردها السالمي ، مستفيدا من ديواني الستالي والنبهاني ، ومن سيرة العالم الجليل ابن النظر ، المعاصر للملكين النبهانيين الأخوين خردلة وجبر ، إبني سماعة بن محسن . ثم جاء السيابي ونقل عنه هذه المعلومات وتوسع فيها بعض الشيء

يلاحظ المشتغلون بالتاريخ الإسلامي أن أصحاب الموسوعات التاريخية الذين عالجوا تاريخ الدولتين الأموية والعباسية بالتفصيل ، لم يعطوا العلاقات بين هاتين الدولتين من ناحية وعمان من ناحية أخرى حقها من العناية والإهتمام . أما الذين دونوا التاريخ العماني ومعظمهم من العمانيين أنفسهم ، فكان المفروض أن يتبعوا م...

المؤلف : الحارثي، عبدالله بن ناصر بن سليمان.

مشرف : سعيد عبدالفتاح عاشور

بيانات النشر : مصر : جامعة القاهرة، 1997مـ.

المواضيع : العباسيون السلاجقة - تاريخ - العصور الوسطى .

الحروب الصليبية - حضارة - الجزيرة الفراتية.

الدرجة العلمية : ماجستير

التخصص : التاريخ

لا توجد تقييمات للمادة

المواد التي تصفحتها مؤخرا

التحفة والتوأم في علم الفرائض

الإمام الأفخم والمجتهد الأعظم الأستاذ محمد بن يوسف أطفيش

شرح ابن عقيل

عبدالله بن عقيل العقيلي الهمداني

تاريخ الكامل الجزء الثاني

أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري